مركز الإعلام

الإدارة الفعالة للمؤسسات الصحية ودورها في السيطرة على الجائحة والمحافظة على جودة وسلامة الرعاية الصحية

إن الدور الرئيسي للنظام الصحي الناجح هو المحافظة على صحة السكان وحمايتهم من الأمراض المعدية والمزمنة وتوفير الرعاية الصحية لهم بمستوياتها الأولية والثانوية والثالثية بطريقة فعّالة وآمنة وعادلة  وبجودة عالية وبأقل تكلفة ممكنة. تعتبر المنظمات الصحية كما وصفها ابو الإدارة الحديثةPeter Drucker    من اكثر الأنظمة الإجتماعية تعقيدا على وجه الأرض [1]، ولذلك لا يمكن إدارتها بطريقة التجربة والخطأ وإنما تحتاج الى إدارات متخصصة ذات خبرة عالية .

على الرغم من النجاح الذي حققه النظام الصحي في الأردن في مجال مكافحة الأمراض المعدية والمزمنة وانخفاض معدلات الوفيات وارتفاع معدل العمر المتوقع للفرد واحتلاله مواقع متقدمة في الطب الثالثي  المتخصص والسياحة العلاجية ووجود نظام وطني لإعتماد المؤسسات الصحية ، إلا أن هذا القطاع قبل وأثناء جائحة كورونا  لا زال يعاني من مشاكل وتحديات كثيرة اهمها :ضعف الحوكمة والإدارة وتعدد وتشظي الجهات الحكومية التي تدير وتقدم الخدمات الصحية واعتماده على النموذج الطبي التقليدي الذي يركز على المرض  ولا يأخذ بمفهوم الطب الشمولي الإستباقي الذي يركز على الجانب الوقائي والمحافظة على الصحة Illness vs. Wellness Model وتشوبه الكثير من اوجه عدم العدالة في التغطية الصحية الشاملة والاستخدام غير الفعال للموارد المتاحة وصعوبة الاحتفاظ بالكوادر البشرية المدربة وهجرتهم وعدم رضا متلقي الخدمه عن جودة الخدمات الصحية وارتفاع تكلفتها على المستويين الوطني والفردي،هذا بالإضافة الى ضعف اذرع الرقابة على القطاع الصحي الخاص وغياب الآليات والروافع الحكومية المحفزة له.

 للنهوض بالقطاع الصحي في الأردن لا بد من الإهتمام بجميع اللبِنات   Blocksالتي يتكون منها النظام صحي كما اعتمدتها منظمة الصحة العالمية وهي: الحوكمة والإدارة وتقديم الخدمات والتمويل والتكنولوجيا الطبية والأدوية والموارد البشرية ونظام المعلومات والمشاركة المجتمعية. ولا يمكن أن تبدأ عجلة الإصلاح هذه مهما استثمرنا في  النظام الصحي من موارد مالية و بشرية  إلا إذا اصلحنا وظيفة الحوكمة والإدارة  . تؤكد جميع الأدبيات المتعلقة بالنظم الصحية في العالم ان وجود الكفاءات الإدارية المتخصصة ذات الخبرة العالية بصرف النظر عن الخلفية المهنية (طب،ادارة، تمريض،صيدلة،الخ..) التي تعرف كيف تستخدم الأدوات الإدارية العلمية كالتخطيط والتنظيم والتوظيف والقيادة واتخاذ القرارات والرقابة والتقييم  في توفير الموارد المالية والبشرية والمادية والتكنولوجية والمعلوماتية (المدخلات) التي يحتاجها النظام وتحويلها الى الخدمات الصحية التي يحتاجها المجتمع (المخرجات والنتائج) بجودة عالية وبأقل تكلفة ممكنة . باختصار الإدارة المتخصصة الفعَّالة هي الضمانة لتقدم النظام الصحي وتطوره على المستويين الوطني والمؤسسي وحل المشاكل والقضايا التي تواجه هذا النظام في الحاضر والمستقبل.

أعادت جائحة كورونا ،التي قتلت في الأردن قرابة 8000 شخصًا وخلَّفت آثاراً إقتصادية غير مسبوقة على مستوى الدولة والأفراد ،التركيز على أهمية القطاع الصحيالذي  برز كخط دفاع حقيقي عن المجتمع في مواجهة الوباء .استغل المسؤولون عن النظام الصحي الجائحة ليحاولوا تطوير قدراته وتعزيز إمكاناته وفرضت  الجائحة  على راسمي السياسات العامة ايضا إدخال الصحة في كل السياسات Health in All Policies   وذكرتهم بأولوية تحقيق التغطية الصحية الشاملة لكل السكان. لكن حادثة انقطاع الأوكسجين في مستشفى السلط الحكومي أظهرت على السطح هشاشة إدارة القطاع الصحي العام في جميع مستوياته الإدارية ، وبات الذهاب إلى المستشفى خيارا  أخيرا  يبذل الناس ما في وسعهم لتجنبه. اصبح واضحا للعيان بعد هذه الحادثة أنه لا يمكن لحلول إجرائية أو تقنية او موضعية أن تغير ذلك، مهما تبدل الوزراء ومدراء المستشفيات والموظفون الإداريون بل لا بد من وضع خطة إصلاح شاملة للنظام الصحي العام تغطي المكونات السبعة للنظام الصحي التي أشرنا لها اعلاه وعلى رأسها الحوكمة والإدارة. وبذلك نحوِّل أزمة كورونا من محنة او كارثة  الى منحة او فرصة للتغيير الإيجابي الشامل.

إذا تم الإصلاح الإداري المنشود للقطاع الصحي بكل مكوناته سيعزز ذلك من ثقافة وسلوك الجودة والسلامة في المؤسسات الصحية المعتمدة ويحرك المؤسسات الصحية التي لم تحصل على الإعتمادية للتسريع بالحصول عليها . تؤكد التجارب والممارسات العالمية والأبحاث العلمية بأن الإدارة المهنية الرشيدة  الملتزمة والمؤمنة بثقافة الجودة وسلامة الخدمات الصحية هي الضامن الرئيسي لنقل معايير الخدمات الصحية من النصوص المكتوبة الى آداء وممارسات عملية  Standards to Actionsتغطي كافة النشاطات والعمليات Processes التي تقوم بها المؤسسة الصحية [2]. وبذلك نضمن وجود جناحين للتحليق بمؤسساتنا الصحية نحو الجودة والسلامة هما : الإدارة الرشيدة والإعتمادية الموثوقة.


[1] https://www.researchgate.net/publication/281190268_Complexity_in_healthcare_management_Why_does_Drucker_describe_healthcare_organizations_as_a_double-headed_monster

[2]  F. Lega, Prenestini, A. Prenestini, P. Spurgeon (2012). Is Management Essential to Improving the Performance and Sustainability of Health Care Systems and Organizations? A Systematic Review and a Roadmap for Future Studies. Value in Health. Volume 16, Issue 1, Supplement, January–February 2013, Pages S46-S51. https://doi.org/10.1016/j.jval.2012.10.004

الدكتور موسى العجلوني

مستشار اول انظمة صحية وإدارة مستشفيات

print