على الرغم من المفارقة بين الأزمان، فمنذ الأربعمائة عام قبل الميلاد وفي زمن أبو قراط أبو الطب إلى زمننا هذا الذي بتنا فيه نرعى مؤسسات صحية بآلاف الأسرّة وملايين من المرضى والمراجعين وآلاف من مقدمي الرعاية الصحية إلا أن سلامة المرضى وجودة الرعاية الصحية تعتبر الهدف السامي لهذه المنظومة.
وبحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، يصاب ما لا يقل عن أربعة من كل 10 مرضى بالأذى أثناء الحصول على خدمات الرعاية الصحية الأولية وخدمات رعاية المرضى ومراجعي العيادات، وما لا يقل عن 80% من هذا الأذى يمكن الوقاية منه من خلال وجود نظام للتعامل مع الحوادث العرضية المتعلقة بسلامة المرضى وحمايتهم من الأخطار.
لقد تشرفت بقيادة صرح طبي متميز وهي الخدمات الطبية الملكية وهي النموذج الأمثل في تقديم الرعاية الصحية المتميزة والمواكبة للتقدم العالمي بمعايير جودة عالية تضمن السلامة والأمان لكافة مراجعيها ولم يكن ذلك بالواجب السهل فكان لابدّ من استخدام مجموعة من الأدوات والوسائل لضمان الجودة والسلامة لمرضانا وفي كافة الأوقات.
إن وجود وتوحيد معايير قياسية للرعاية الصحية خطوة أساسية نحو تنفيذ الإصلاح في القطاع الصحي وتحسين خدمات الرعاية الصحية في الأردن وعلى الرغم من صعوبة رحلة الحصول على الاعتماد والتي تتطلب الكثير من الجهد للتَغيير في الممارسات والعادات وتطبيق مجموعة كبيرة من المعايير ولكنها أثبتت فعّاليتها من خلال مؤشرات تضمن لنا وتساعدنا في اتخاذ القرارات وتحديد مواضع الخلل وتحسينها، فها نحن اليوم وكل يوم نرى محافل الإنجازات الطبية العظيمة في الحقل الطبي بدليل تقليل نسب الوفيات وخاصة في الجراحات والعمليات الدقيقة والنادرة والجراحات الخطرة لا بل وبنسب نجاح عالية.
نتيجة لتطبيق المعايير وتحقيق متطلباتها بوجود أنظمة تُركز على المريض من أجل ضمان استجابة المؤسسات لاحتياجات المرضى والتي منها ضرورة وجود مسار علاجي ووقائي متبع لكافة التخصصات الطبية وتوفر بروتوكولات علاجية وفق آخر المستجدات العلمية العالمية وضمان وجود نظام فاعل للسيطرة على العدوى فأصبحنا نجد معدلات عدوى منخفضة أو معدومة مكتسبة داخل مستشفياتنا ولله الحمد ولا ننكر دور معايير السلامة العامة واستراتيجيات ضبط العدوى بأثرها الكبير على السيطرة على وباء العصر (كوفيد19) وتلك المعايير بتطبيقها ومتابعتها قادرة بإذن الله على مواجهة المجهول من خلال كوادر مؤسساتنا بالتزامهم ودعمهم، فعملاء أنظمة الرعاية الصحية لا يقتصرون على المرضى فقط فالعاملين في الرعاية الصحية يواجهون مخاطر أيضا حيث ساهمت معايير الاعتماد بضمان وجود ثلاثة جوانب لتوفير بيئة عمل آمنة ومنظمة وإيجابية لمقدمي الرعاية الصحية من خلال معايير وأسس السلامة العامة والأوصاف الوظيفية وتقييم المهارات وصحة الموظفين.
وأخيرا وليس آخراً نشيد على الجهود المشتركة بين مجلس الاعتماد للمؤسسات الصحية وممثلي مختلف القطاعات الصحية في الأردن حيث تعد هذه المعايير نتاجًا قيما لتلك الجهود آملين باستمراريتها ودعمها لتتحسن تجربة رعاية المرضى وزيادة رضا مقدمي الرعاية التي من شأنها تحسين جودة الخدمة وضمان سلامة المريض وخفض التكاليف على القطاع الصحي.
الدكتور معين الحباشنة
الفريق الطبيب المتقاعد
مدير عام الخدمات الطبية سابقا
عضو مجلس هيئة اعتماد المستشفيات