مركز الإعلام

كوفيد-19: الوضع الوبائي و اللقاحات و تفاصيل أخرى

1. ما هو تشخيصك وتقييمك للوضع الوبائي الحالي في الأردن، وكيف تقارنه بالوضع الوبائي للدول المجاورة إقليميًا أو حتى عالميًا؟

تميز انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في المملكة الأردنية الهاشمية خلال الفترة الزمنية من شهر آذار إلى شهر تموز 2020، إمّا على شكل حالات فردية وافدة من الخارج أو مجموعة حالات محلية على شكل بؤر نجمت عن حالات وافدة، حيث بلغ عدد هذه الحالات في نفس الفترة ذاتها 1269 حالة مؤكدة وبلغت عدد الوفيات 11 وفاة، وكانت الإمكانات تسمح بحجر الحالات المشتبهة حجراً مؤسسياً مع توفر إمكانيات عزل مؤسسي لجميع الإصابات مهما بلغت شدة خطورتها وحتى ولو كانت لا تشكو من أي أعراض مرضية في مستشفيات معتمدة لهذه الغاية.


كانت وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين في إيصال المعلومة حول الجائحة من خلال الرسائل والفيديوهات غير معروفة المصدر والتي ساهمت في نشر الإشاعة المغلوطة والتي أدت إلى رد فعل عكسي وأفقدت الثقة بين المواطن والسلطات الصحية ودور مقدمي الرعاية الصحية، ولهذا سارعت منظمة الصحة العالمية في تبني شعار حارب الإشاعة فإنها الأخطر (التي تقلل من خطورة الوباء أو تكثر وجوده) على مكافحة الوباء وتؤدي بدورها إلى تراخي المواطنين عن التزامهم بالإجراءات الوقائية المتمثلة في لبس الكمامة والتباعد الجسدي والاجتماعي ونظافة الأيدي وتعقيم البيئة المحيطة.

في غياب وجود أدوية نوعية تشفي من هذا المرض وغياب توفر لقاح فعال وآمن لغاية الآن، وحتى في حال توفر هذا اللقاح فلن يكون متاحا لأكثر من 20-30% من المواطنين على الأمد القريب والمتوسط ولذلك سيبقى التعويل الرئيسي والمهم على الالتزام بمبادئ الرعاية الصحية الذاتية لأفراد المجتمع كارتداء الكمامة خارج المنزل وفي الأماكن العامة والتباعد الجسدي والابتعاد عن التجمعات غير الضرورية والالتزام بقوانين الدفاع ذات العلاقة بتطبيقها.

إضافةً إلى الاستمرار بالشراكة مع كافة القطاعات الصحية في المملكة لتعزيز وتقوية النظام الصحي الوطني ليتمكّن من التعامل من الحالات المرضية وتخفيف معدلات الإصابة وخفض المضاعفات والاصابات الناتجة عنها من خلال تحديث البروتوكولات العلاجية باستمرار والعمل بها من قِبل كافة القطاعات الصحية ودعم الكوادر الصحية الملقى على عاتقها مواجهة هذه الجائحة.

وبالرغم من ذلك، فإن اللقاح سيبقى الأمل في كبح جماح هذه الجائحة وهو الذي سيعمل على الوصول بالمجتمعات إلى بر الأمان من خلال الوصول الى تحقيق المناعة المجتمعية (مناعة القطيع) وهذا لن يتم إلّا بتوفر لقاح فعال وآمن وأن يصل إلى جميع الدول دون استثناء بكل عدالة ودون احتكار وإلّا ستبقى دول عديدة غير قادرة على توفيره لمواطنيها، الأمر الذي سيجعل هذه الدول عبارة عن بؤر غير ممنعة وتؤخر من إجراءات التوصل إلى احتواء جائحة كورونا في وقت مبكر، علماً بأن اللقاح حتى يمر بخطوات ترخيصية وإيصاله إلى الفئات المستهدفة بشكل آمن لن يكون جاهزاً قبل بداية الربع الثاني من عام 2021 في أقرب حال.

ظهرت إلى السطح من عدة مؤسسات بحثية أردنية وعالمية عدة سيناريوهات وتوقعات وتقديرات بأن الوباء قد يشكل أعباء على الصحة والاقتصاد، وأعتقد بأن المملكة الأردنية الهاشمية بدأت بالاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال فشرعت إلى تعيين العديد من أطباء الاختصاص والتوسع في الشراكة مع القطاعات الصحية الأخرى وبناء المستشفيات الميدانية لإستيعاب أكبر عدد ممكن من المرضى الذين يحتاجون للعلاج بالمستشفيات.

يقدّر عدد من المرضى الذين يحتاجون إلى إدخال للمستشفيات بحوالي 5-6% من مجموع الإصابات اليومية وتقدّر بحوالي 200-250 مريض يوميا بمعدل بقاء في المستشفى إلى 10 أيام في الحد الأدنى، كما شرعت وزارة الصحة بطلب مناداة للقطاع الخاص بمختلف مستشفياته لدعم القطاع العام في معالجة مرضى الكوفيد-19، وهرعت حينها العديد من المستشفيات لإبداء استعدادها لإستقبال هؤلاء المرضى.

كانت العديد من المستشفيات التي استقبلت الحالات المصابة بكوفيد-19 ممّن حصلوا على شهادة الاعتمادية الخاصة بمعايير المستشفيات التي تنعكس على جودة الخدمات الصحية المقدمة عند استلامهم للمرضى وعلاجهم، كما تؤثر على تقوية قدرة المستشفيات على الاستجابة، علماً أن هذه المستشفيات كان لديها خطط طوارئ وتقييم المخاطر خاصة عند حدوث الأزمات والأوبئة والطوارئ، ويشمل ذلك تفعيل البروتوكولات والإجراءات والسياسات في الأماكن الآمنة مع التركيز على تدابير العزل والتثقيف وتدريب العاملين على استخدام معدات الحماية الشخصية والتدبير العلاجي للمرضى وجمع العينات والتعامل معها والتعامل مع النفايات البيولوجية الخطرة والتخلص منها، حيث أن كل هذا من شأنه أن يقلل من التعرض لعدوى المستشفيات ويخفض من حدوث مضاعفات ويقلل من معدلات الإماتة، وربما الدروس المستفادة من الدول الأوروبية التي شهدت موجة مبكرة للجائحة مثل (إيطاليا، اسبانيا، بريطانيا..الخ) خلال أشهر نيسان وأيّار وحزيران من عام 2020 حيث شهدت معدلات إماتة عالية تم تفاديها خلال تعرضها للموجة الحالية الثانية لجائحة كوفيد-19.

أصدرت وزارة الصحة خطة الطوارئ الوطنية للتعامل مع وباء كوفيد-19 تم تحديثها وتطويرها حسب المستجدات العالمية الخاصة بفيروس SARS-COV-2، المسبب لمرض الكورونا المستجد، وكان التحديث الخامس هو إصدار شهر تشرين الأول الماضي، الأمر الذي يحتاج إلى تدريب الكوادر الصحية وتأهيلها على التدبير العلاجي للحالات المؤكدة لمرضى كوفيد-19 (المحور السابع) وتشمل تعريف الحالة المشتبهة (حسب المستجدات) والحالة المؤكدة والحالة المخالطة وتشخيص الحالات وعلاجها.

ومن هنا تعود أهمية عقد الدورات التدريبية المتخصصة ولو عن بعد مع الإستشاريين في هذا المجال من خارج المملكة، وقد يكون لدعم الكوادر الصحية وتعزيزها بالكوادر الطبية المتطوعة وطلاب الطب في المراحل الأخيرة ما ينعكس على تأهيل القوى العاملة في المستشفيات على التعامل مع الجائحة الحالية بأفضل صورة ممكنة.

أخيرا ًوليس آخراً فإن الاطلاع على تجارب الدول المختلفة الناجحة في مجال الوقاية والعلاج يشكل جزءًا هامًا ورئيسيًا في احتواء هذه الجائحة التي لا زالت تشكل نسب خطورة عالية وعبء مستمر، وذلك من خلال وسائل الوقاية الشخصية للكوادر الصحية اللازمة للتعامل مع الحالات المصابة بالفيروس داخل المستشفيات حمايةً لها لأنها تعتبر خط الدفاع الأول في محاربة هذه الجائحة، فبسلامتها يتم تحقيق الهدف الأسمى بسلامة المجتمع وتعافيه صحيًا واقتصاديًا.

كما أريد أن أؤكد في هذا المقام على أهمية التنسيق بين القطاعات الصحية المختلفة لمجابهة هذه الجائحة التي تميزت بسرعة انتشارها وذلك من خلال قيادة وإدارة واحدة دون تعدد للمرجعيات وتحديد المسؤوليات والأدوار الملقاة على عاتق كل جهة من الجهات وإيلاء التوصيات العلمية بهذا الصدد للجنة الوطنية لمكافحة الأوبئة والتي أفتخر أنني أحد أعضاءها منذ بداية الجائحة وحتى الآن وأتمنى أن نصل إلى بر الأمان بسلامة الجميع.

الدكتور بسام حجاوي

استشاري الوبائيات وعضو اللجنة الوطنية للأوبئة

print Return