مركز الإعلام

جائحة كورونا : تحديات وفرص

كشفت جائحة كورونا عجز الأنظمة الصحية في التعامل مع الأوبئة المستجدة في العديد من دول العالم، وشهدت العديد من الأنظمة الصحية تهاوٍ أمام هذه الجائحة التي فتكت وماتزال تفتك وبصورة غير مسبوقة بأعداد من سكان العالم وخاصة كبار السن.

فبعد عقود من التركيز على بناء أنظمة صحية تعتمد الوقاية والكشف المبكر والرعاية الصحية الأولية أساساً في بناء المنظومة الصحية أعادت هذه الجائحة التذكير مرة أخرى بضرورة التخطيط المتكامل لضمان السيطرة على الأمراض بكافة مراحلها، واقتادتنا عدسات التلفزة إلى داخل أسوار المستشفيات وتحديداً إلى قلب هذه المستشفيات وخصوصًا في وحدات العناية الحثيثة وقامت بتعريف العامة على مصطلحات جديدة لم تألفها من قبل كأجهزة التنفس الاصطناعي وغيرها من تقنيات الطب الحديث التي تقدم إلى أشد الحالات مرضًا، كما وعرفتهم عن قرب بطاقمها الطبي المختص والمدرب تدريباً خاصاً يتلاءم مع الطبيعة الصحية لهذا الاختصاص.

لقد أثبتت هذه التجربة أن الدول المجهزة تجهيزاً حديثاً بالطاقم المختص وغرف العناية المركزة وما تتطلبه من أجهزة كانت أقدر على التعامل مع هذه الأزمة والبقاء بعيدة عن شبح الإغلاقات الشاملة، وعلى الرغم من انهيار أنظمة صحية عالمية أمام هذه الجائحة لما شكلته من ضغط مفاجئ على بناها الصحية التحتية إلا أن فرصاً عديدة للنهوض بالقطاعات الصحية تمثلت وبشكل عاجل لدول العالم عامةً وفي الأردن خاصةً.

على سبيل المثال، سلطت هذه الجائحة الضوء على اختصاص العناية الحثيثة كتخصص مطلوب ونادر وأصبح اليوم على أجندة المجلس الطبي الأردني لدراسته واعتماده وإنشاء برامج تدريبية تضمن تخريج الكوادر الضرورية اللازمة لوحدات العناية الحثيثة، فمن المعلوم أن تخصص العناية الحثيثة عادةً مايحتاج إلى سنتين من التدريب بعد إتمام تخصص أساسي كالباطنية أو الجراحة أو التخدير أو الاطفال.

إضافةً إلى ذلك فقد أبرزت الحاجة الملحة إلى بناء برامج دراسة جامعية في اختصاص فنيي العلاج التنفسي، ويعد فني العلاج التنفسي أحد أهم الكوادر في طاقم العناية الحثيثة لما له من دور في برمجة وإدارة أجهزة التنفس الاصطناعي المختلفة والمعقدة وإيصال الاكسجين وأدوية الجهاز التنفسي الأفضل والاقل ضررًا، و لقد اصبح هذا الاختصاص اليوم مطلوباً وبشكل كبير محلياً وعالمياً، مما يعني أن البدء بمثل هذه البرامج التخصصية على مستوى الجامعات سيكون كفيلاً بتوجيه الطلبة نحو اختصاصات جديدة غير مشبعة ومطلوبة في سوق العمل المحلي والعالمي.

كما أسهمت هذه الجائحة في كشف الثغرات في توزيع العاملين في القطاع الصحي مما يسهم في حل جزء من البطالة الزائفة في قطاعات مهمة مثل قطاعي الصيدلة والتمريض، ففي اختصاص الصيدلة والصيدلة السريرية على وجه الخصوص أصبح اليوم من الصعوبة بمكان تقديم العناية الحثيثة المأمونة والفعالة دون وجود مختصين في الصيدلة السريرية ضمن الطاقم الطبي الخاص بالعناية الحثيثة، حيث أن الزيادة الكبيرة بعدد الأدوية المستخدمة عند مرضى العناية الحثيثة ومايصاحبه من احتمالات التعرض للأعراض الجانبية لهذه الادوية إضافة للحاجة الماسة لإيصالها بالتراكيز الفعالة المأمونة يتطلب وجود مثل هؤلاء الاختصايين في مجال الأدوية في كافة أقسام المستشفيات مما يعني زيادة الطلب عليهم ن وتوفير فرص عمل لهم ومعالجة جزء من مشكلة البطالة الزائفة التي ارتبطت بهذا القطاع المهم من قطاعات الرعاية الصحية.

إن ما تمثله جائحة كورونا من تحدي للقطاع الصحي اليوم ماهو إلا فرصة عظيمة للنهوض بهذا القطاع وإعادة تأهيله.

الدكتور فراس هوّاري

رئيس المركز الوطني لمكافحة الأوبئة و الأمراض السارية

print Return